رئيس الجمهورية يعزّي في وفاة المجاهد محند السعيد نايت عبدالعزيز
أخبار
2025-12-26

رأي من الحراك
2025-12-24
من واشنطن: محمود بلحيمر
"أميركا أولا" في مقابل "إسرائيل أولا"! عنوانان لحرب علنية مستعرة داخل حركة "ماغا" الداعمة للرئيس الأميركي دونالد ترامب. "ماغا" التي تعني "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، هذا التيار الشعبوي بات مهددا بشرخ كبير في صفوفه قد يضرب حظوظ الجمهوريين في المواعيد الانتخابية المقبلة، وأهم من ذلك، يبدو أننا أمام بداية النهاية للسردية المهيمنة حول إسرائيل داخل أميركا.
بات واضحا أن السردية السائدة حول إسرائيل من أقطاب المؤسسة السياسية ووسائل الإعلام التقليدية في أميركا لم تعد مقنعة لقطاع واسع من الأميركيين. فمنذ عقود طويلة تمتعت السردية الإسرائيلية بنفوذ واسع على الرأي العام الأميركي، مثلما هو الحال في عدد من الدول الغربية، ما جعل إسرائيل تتمتع بحصانة دائمة من أي انتقاد مهما ارتكبت من جرائم، ناهيك عن تمتعها بدعم أميركي مطلق؛ عسكريا وماليا وسياسيا في المحافل الدولية.
في المقابل، طفت على السطح مؤخرا بأميركا سردية مغايرة أثبتت قدرتها على كسب معركة الرأي العام. شخصيات إعلامية وسياسية وناشطون بارزون، نجدهم على وسائل التواصل الاجتماعي أساسا ويحظون بمتابعة ملايين الأميركيين، ينتقدون باستمرار الدعم الأميركي اللامشروط لإسرائيل، لاسيما بعد جرائم حرب الإبادة على غزة، ويثيرون النقاش عن مواضيع كانت محرمة في السابق؛ مثل الدعم المالي الأميركي لإسرائيل وطبيعة العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، ونفوذ ما يُعرف باللوبي الإسرائيلي داخل الحكومة الأميركية لاسيما من خلال لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC)، التي تنفق باستمرار مبالغ خيالية على المترشحين لانتخابات الرئاسة والكونغرس.
حرب أهلية داخل "ماغا"
خلال فعاليات المؤتمر السنوي الأول لمنظمة "نقطة تحول أميركا"، التي أسسها الناشط المحافظ تشارلي كيرك، (اغتيل في سبتمبر الماضي)، والذي انعقد في مدينة فينيكس بولاية أريزونا، نهاية الأسبوع الماضي، شاهد الأميركيون سجالات حادة وهجمات متبادلة بين الوجوه البارزة في تيار "ماغا". أبرز قضايا الخلاف مبدأ "أميركا أولا" والدفاع عن المصالح الأميركية أولا قبل المصالح الأجنبية، والمقصود هنا إسرائيل.
بن شابيرو، الناشط السياسي البارز ومقدم بودكاست يحظى بمتابعة واسعة، وفي كلمة له في افتتاح المؤتمر، شنّ هجوما لاذعا على شخصيات بارزة في حركة "ماغا" ذكرها بالإسم وهم، مذيع فوكس نيوز السابق تاكر كارلسون، والمسؤول السابق بالبيت الأبيض في إدارة ترامب الأولى ستيف بانون، والمذيعة التلفزيونية السابقة ميغين كيلي وصاحبة البودكاست الشهير كانديس أوينز.
شابيرو المدافع الشرس عن إسرائيل قال: "إن الحركة المحافظة في خطر من الدجالين الذين يدّعون التحدث باسم المبادئ، بينما هم في الواقع يتاجرون بنظريات المؤامرة والخداع. ومن واجبنا الأخلاقي، نحن الذين نملك منبراً، أن نفضحهم بالاسم". وقال عن ستيف بانون إنه "يتهم خصومه في السياسة الخارجية بالولاء لحكومة أجنبية، وهو في واقع الأمر لا يقدم موقفا قائما على أدلة وإنما هو ببساطة يشوه الناس الذين يخالفهم الرأي". كما وجه شابيرو اتهامات لخصومه المحافظين بالترويج لنظريات المؤامرة من خلال التلميح لاحتمال تورط إسرائيل في اغتيال تشارلي كيرك.
وعندما تناول الكلمة خلال المؤتمر هاجم ستيف بانون بن شابيرو قائلا إنه أبعد مايكون عن حركة "ماغا" وكان معارضا باستمرار لترامب ومن أنصار "إسرائيل أولا" ومشروع "إسرائيل الكبرى"؟ وأضاف بانون: "ماذا يعني إسرائيل الكبرى؟ الأمر لا يتعلق بإسرائيل نفسها بل يتعلق بإسرائيل توسعية إمبريالية فكر بها نتنياهو وتلك المجموعة، وجماعة "إسرائيل أولا" هم بن شابيرو وتل أبيب مارك ليفين (وهو مذير شهير في فوكس نيوز موالي لإسرائيل) وغيرهم الكثير الذين يودّون وضع ذلك قبل المصالح الأميركية".
بينما قالت ميغن كيلي إن "بن شابيرون يهتم أكثر بإسرائيل ولا يكترث لما يحدث في أميركا واتهمته بأنه من بين النشطاء لصالح إسرائيل،، لكن لا يحق لهم أن يملوا علينا ما نشعر به حيال إسرائيل." أما تاكر كارلسون فأشار إلى أن هناك أناسا غاضبون على نائب الرئيس، جي دي فانس، ويسعون لحرمانهم من ترشيح الحزب للانتخابات المقبلة لأنه الشخص الوحيد ضمن تحالف ترامب الملتزم بمبدأ "أميركا أولا"، والذي يعني حسبه أن تضع الحكومة الأميركية في كل قراراتها مصالح مواطنيها أولا، وفق تعبيره.
تاكر كارلسون.. كابوس اللوبي الإسرائيلي
لم يبدأ الجدل بشأن الولاء لإسرائيل مع مؤتمر منظمة "تيرنينغ بوينت" الأخير. فهناك وجوه إعلامية وسياسية بارزة باتت تلهب منصات التواصل الاجتماعي وتناقض السردية الإسرائيلية، كما تنتقد بشدة السياسة الأميركية الداعمة لإسرائيل، لاسيما في ضوء الصور المؤلمة لحرب الإبادة الإسرائيلية في غزة. من ذلك النقاشات التي يثيرها تاكر كارلسون، سواء عبر بودكاست شهير له على قناة يوتوب أو في مناسبات مختلفة، وتلقى اهتماما وتفاعلا من قبل الأميركيين.
عمل كارلسون لسنوات كصحفي معلق محافظ على شبكات "سي أن أن" و "أم أس أن بي سي" ثم "فوكس نيوز"، التي كان أحد نجومها قبل أن يغادرها في 2023. وتقول صحيفة "الواشنطن بوست" في مقال مطول عنه نشرته في 20 ديسمبر 2025، إن كارلسون، وبعد خروجه من "فوكس نيوز" وتحرره من القيود المؤسساتية، أعاد بناء قاعدة جماهيرية واسعة، وأرسى نموذجا تجاريا قائما على الاشتراكات والإعلانات المتخصصة.. وقدّرت الصحيفة عدد متابعيه عبر يوتيوب ومنصة إكس بنحو 22 مليون متابع، وأن برنامجه يُعد من بين أكثر عشرة برامج بودكاست استماعا في عام 2025 على منصة سبوتيفاي.
وأثارت مقابلته الشهيرة مع السيناتو الجمهوري عن ولاية تكساس، تيد كروز، في يونيو 2025، النقاس حول سردية مهيمنة كانت من المسلمات في النقاش الداخلي بأميركا وهي ضرورة دعم إسرائيل كواجب أمر به الكتاب المقدس. كارلسون سخر من كروز لقوله إن الإنجيل يحثه كمسيحي على مباركة إسرائيل ودعمها، حيث كرر كروز أن الرب يبارك من يباركون إسرائيل ويلعن من يلعنوها، لكن كارلسون جادل أن ذلك لا يعني دولة إسرائيل المعاصرة، وسأل ضيفه: هل أمرنا كمسيحيين بدعم الحكومة الإسرائيلية وهل الكتاب المقدس يتحدث عن الحكومة التي يقودها نتنياهو حاليا؟ أجاب كروز بنعم. (ما ورد في العهد القديم: "وأبارك مباركيك، ولاعِنكَ ألعَنُه" والقصد هنا مباركة من يبارك إبراهيم). ويتبنى سياسيون محافظون من تيار المسيحيين الإنجيليين هذا الخطاب لتبرير الدعم الأميركي اللامشروط لإسرائيل كواجب ديني.
وخلال نفس المقابلة أثار كارلسون مسألة ولاء كروز لإسرائيل حيث ذكّره بأنه عندما ترشح لأول مرة للكونغرس، وضع الدفاع عن إسرائيل كأحد أهدافه الرئيسية،، متسائلا، هل وظيفة المشرع الأميركي هي الدفاع عن مصالح حكومة أجنبية؟ واستنكر اتهامه بمعاداة السامية لمجرد طرحه أسئلة حول سياسات حكومة بلاده.
حافظ كارلسون على خطٍ مبدأي يتعلق بحقه في التعبير وانتقاد سياسات حكومة بلاده، لاسيما السياسة الخارجية التي تراعي مصالح دولة أجنبية وهي إسرائيل، التي قال إنها متورطة في حروب كثيرة تدفع كلفتها الولايات المتحدة. وعن حرب غزة قال إن إسرائيل قتلت خلال عامين عشرات الآلاف من الأطفال والنساء غير المحاربين عمدا وأغلقت غزة ومنعت عشرات الصحفيين من دخولها لتصوير ما حدث بعدما دمّروا المكان عن آخره حتى يتمكنوا من طرد السكان والاستيلاء على غزة، مشددا على أن إسرائيل هي البلد الوحيد في التاريخ المعاصر الذي يتصرف على هذا النحو.. وفي أحد برامجه تحدث كارلسون عن رئيس الوزراء الإسراييلي بنيامين نتنياهو قائلا إنه يتجول في العالم ويقول إنه يتحكم في ترامب كيفما شاء ويتحكم في الكونغرس والبيت الأبيض.. كما انتقد كارلسون نفوذ لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية في واشنطن..
هذه الأفكار التي يطرحها كارلسون باتت منتشرة على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي؛ فقطاع واسع من الأميركيين، لاسيما الشباب، صار يرفض الإصغاء للرواية المهيمنة التي ترددها باستمرار وسائل الإعلام التقليدية مثل "سي أن أن" و "فوكس نيوز" و"سي بي أس" وغيرها، والتي تجعل إسرائيل خارج إطار النقد وتكاد ترتقي إلى مرتبة التقديس، مهما اقترفت من جرائم في الشرق الأوسط. وتوظف هذه الشبكات الإعلامية أرمادة من المحلليين والخبراء يدركون أن انتقاد إسرائيل والسياسة الخارجية الأميركية تجاهها خط أحمر، ويمارسون تدويرا إعلاميا بعيدا عن الحقيقة. كما تقصي هذه القنوات من النقاش كل الأصوات التي تتجاوز هذا الخط.
مواقف تاکر کارلسون كلفته إلصاق التهمة التقليدية الجاهزة بمعاداة السامية من قبل اللولي الإسرائيلي، كان آخرها تصنيفه "معادي السامية للعام 2025 من قبل مؤسسة "أوقفوا معاداة السامية"، وهي منظمة يهودية معنية بالحقوق المدنية. وقالت ليورا ريز، رئيسة المؤسسة في تصريح نقلته صحيفة نيويورك بوست: "إن" خطاب كارلسون المثير للانقسان والكراهية، والخطير، إلى جانب مقابلاته المتكررة التي يشيد فيها بالمتعصبين ومبرري هتلر جعلته أكثر الأشخاص كرها لليهود خلال الأشهر الـ 12 الماضية".
ويقول عالم السياسة الأميركي الشهير، جون ميرشايمر، صاحب كتاب "اللوبي الإسرائيلي"، الذي نشره مع ستيفن والت عام 2007، إن مانراه اليوم هو "انهيار سردية"، وأن جماعات الضغط الإسرائيلية تعيش أزمة حقيقة كونها غير قادرة على الدفاع عما تفعله إسرائيل لأن سلوكها غير قابل للدفاع عنه، وأن أكبر مشكلة تواجههم هي أشخاص مثل تاكر كارلسون الذي صار كابوسا لهم،، ووصفه بأنه التحدي الأقوى الذي واجهته جماعات الضغط منذ عقود. ويضيف ميرشايمر أن تلك "الجماعات تفقد سيطرتها على الرواية بطرق لم تكن متصورة قبل 10 أو 15 عاما".
ويؤكد ميرشايمر، الذي يتهم إسرائيل بالسعي للتطهير العرقي وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، بأن جماعة الضغط الإسرائيلية شبكة حقيقية، موثقة ومنظمة للغاية، تتألف من جماعات مصالح ومانحين وشخصيات إعلامية ونشطاء سياسيين، هدفها الصريح هو تشكيل السياسة الأميركية على نحو يفيد إسرائيل، حتى ولو تعارضت هذه السياسة مع المصالح الوطنية الأميركية، وفق تعبيره. ويضيف الكاتب الأميركي أن هذه الجماعات كانت فعّالة للغاية في ذلك لعقود، لكنها تواجه صعوبات جمّة اليوم لاسيما مع تاكر كارلسون، "الذي يتحدث بصراحة عن سلوك إسرائيل، ويفضح الفاعلين السياسيين الذين يدافعون عنها بلا قيد أو شرط، ويفعل ذلك أمام ملايين المشاهدين، جمهورٌ يثق به أكثر بكثير مما يثق بالمؤسسة السياسية".
من الواضح أن وسائل الإعلام التقليدية والمؤسسة السياسية في أميركا لم تعد قادرة على فرض سرديتها المنحازة لإسرائيل على الجمهور في أميركا؛ فقطاع واسع من الأميركيين، لاسيما من فئة الشباب، انفلت من سردية متحيزة هيمنت على الخطاب السياسي لعقود، وبات يواجه المؤسسة السياسية بخطاب مختلف عن أولوية المصالح الأميركية وما يستفيده دافع الضرائب الأميركي من العلاقة "الخاصة" مع إسرائيل ولماذا تتورط أميركا في حرب إبادة لا تنسجم مع القيم الأميركية؟. هذا الخطاب الجديد انتقل من وسائل التواصل الاجتماعي إلى داخل الحقل السياسي وبات يثير النقاش والجدل الحاد داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في انتظار أن يُترجم لاحقا إلى سياسات تعيد التوازن لمواقف أميركا حيال قضايا الشرق الأوسط وإسرائيل.
م. ب
أخبار
2025-12-26
أخبار
2025-12-26
أخبار
2025-12-26
أخبار
2025-12-26
أخبار
2025-12-26
أخبار
2025-12-26