رئيس الجمهورية يعزّي في وفاة المجاهد محند السعيد نايت عبدالعزيز
أخبار
2025-12-26

رأي من الحراك
2025-12-14
أ.د. محمد عبد الستار
14 ديسمبر 2025
بتاريخ 13 ديسمبر 2025 الجاري، كذبت وزارة الدفاع الجزائرية في بيان لها نشرته عبر موقعها الرسمي وتداولته وسائل إعلام جزائرية وأجنبية، "مقالا" نشرته وسائل إعلام الكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، فحواه أن "الجيش الجزائري أنشأ وحدة خاصة من المرتزقة للقيام بعمليات سرية في منطقة الساحل الإفريقي"، ووصفت في بيانها الخبر بـ "الإفتراء السافر والكذب المكشوف"، وقالت أن "المقال محاولة أخرى يائسة للمساس بسمعة الجيش الوطني الشعبي وتلطيخ الصورة الناصعة للجزائر إقليميا ودوليا." وتضمن البيان معطيات أخرى نشرتها مختلف وسائل الإعلام. ونستنتج من بيان وزارة الدفاع مواقف موضوعية صارمة تتمثل فيما يلي:
1 – تكذيب قطعي لإنشاء الجزائر وحدة من المرتزقة في منطقة الساحل.
2 – تمسك الجيش بالدستور الذي يقضي بعدم التدخل خارج الحدود إلا بموافقة البرلمان بغرفتيه وفي إطار حفظ السلم والأمن.
3 – تمسك الجيش بمبادئ وثوابت الدولة الجزائرية القائمة على حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
4 – الجزائر دولة رائدة في محاربة الإرهاب ولا يمكن اللجوء إلى "سلوكات إرهابية" كإنشاء كيانات من المرتزقة.
5 – إن الجزائر تشكل جزء من منطقة الساحل وبالتالي لا يمكنها العبث باستقرار المنطقة التي تكون أول ضحايا عدم استقرارها.
6 – يرد البيان، بإشارته إلى أن الجزائر جزء من منطقة الساحل" على الجهات التي تتهمه، وهي دول لا تنتمي للمنطقة، وتعمل جاهدة على تلطيخ سمعتها وتشويه صورتها. وأصبحت هذه الدول معروفة لدى العامة والخاصة داخل الجزائر وخارجها.
"ساحل انتلجنس" رئيس تحريرها ضابط إسرائيلي برتبة "مقدم"
حفزني بيان وزارة الدفاع ودفعني للبحث عن المقال موضع الرد، حتى عثرت عليه في موقع "ساحل أنتلجنس"، وتم تداوله بشكل واسع من طرف مواقع الكترونية وشبكات تواصل اجتماعي مغربية على وجه الخصوص، والمقال في مضمونه ليس جديدا، إنما يتكرر مضمونه بعدة أشكال منذ سنوات طويلة، من طرف موقع "ساحل أنتليجنس"، وأعيد نشره بشكل جديد بتاريخ 9 ديسمبر 2025، وكتب المقال المحرر فريديريك باولتن Frédéric Powelton.
تعتبر"ساحل أنتليجنس"، الوسيلة الإعلامية التي نشرت المقال، من خلال مضمونها، وسيلة إعلامية "موالية لإسرائيل والمغرب"، وتركز كل اهتماماتها على منطقة الساحل، وقد تم تأسيسها عام 2006 وموطنها فرنسا، وتصدر عن شركة " GIC CONSEI". أما رئيس تحريرها فليس سوى ضابط ومحلل عسكري سابق لدى الجيش الإسرائيلي برتبة "مقدم".
وهذا ليس تجنيا ولا تضليلا، فقد نشر موقع "ساحل انتلجنس" ذلك بشكل رسمي على موقعه، حيث أوضح أن الموقع يتم تسييره من شركة GIC CONSEIL بباريس، وتضم محللين الذين معظمهم دبلوماسيين سابقين، عسكريين، وأعضاء في منظمات غير حكومية الذين اشتغلوا في دول المنطقة ولديهم معرفة معمقة عن الواقع.
وعلى مر السنين تمكن أعضائها من إنشاء شبكة علاقات مع شخصيات من الصف الأول في هذه البلدان، الأمر الذي يمكنهم من تقديم رؤية جديدة للواقع.
أما فريق التحرير، كما ذكر موقع "ساحل انتلجنس" نفسه، فيتكون من مسؤول النشر رئيس التحرير صامويل بنشيمون (باريس) Samuel Benshimon، والذي اشتغل بصفته محلل لدى الجيش الإسرائيلي لمدة تزيد عن 20 سنة، وغادر موقعه عام 1999 برتبة ضابط سامي "مقدم"، وهو الذي أنشأ عام 2001 هيئة GIC CONSEIL بصفته خبير في قضايا الأمن في إفريقيا، ومنذ ذلك الحين يقوم بدور مستشار حول هذه القضايا.
أما المحررة ماريون زينفراي Marion Zunfrey بباريس، فحائزة على شهادة ماستر في الدراسات الإستراتيجية ومختصة في قضايا "المتاجرة بالمخدرات والإرهاب" في منطقة الساحل، وتساهم في تحرير عدة مجلات استراتيجية في أوروبا. واشتغلت قبل ذلك محللة لدى وزارة الشؤون الخارجية الروسية.
بينما المحرر فريديريك باولتون Frédéric Powelton (بروكسل) (كاتب المقال محل التقييم) فهو، حسب موقع ساحل انتلجنس"، خبير دولي في قضايا الطاقة والمالية، اشتغل لسنوات لصالح مؤسسة مالية كبرى (لم يذكرها الموقع)، ويخصص خبرته حاليا للبحث حول الساحل.
في حين تقدم "ساحل أنتلجنس" المحرر كارول بيدرمان (كندا) على أنه محلل في الجيو-بوليتيك والقضايا السياسية.
التحليل السياسي للموقف: 10 معطيات تؤكد موقف الجيش
بعد قراءة المقال، يمكن تقديم أهم العناصر التي يمكن على أساسها تفنيد كل ما ورد فيه وتأكيد موقف الجيش الجزائري بكل موضوعية وإنصاف.
1 -تعتبر الجزائر واحدة من دول الساحل التي ظلت ترافع وتطالب جهرا بضرورة خروج المرتزقة من المنطقة لا سيما "ليبيا" وتمكين الليبيين ومواطني المنطقة من إيجاد الحلول المناسبة لمشاكلهم فيما بينهم دون تدخل أي طرف أجنبي. وبالتالي من غير الممكن أن تلجأ الجزائر إلى إنشاء "وحدة من المرتزقة" للقيام بعمليات خاصة في المنطقة لأن ذلك يتناقض مع مبادئها.
2 – في عام 2012 تم اختطاف دبلوماسيين جزائريين في مالي، من قبل جماعة الجهاد التوحيد في غرب إفريقيا، وتم اغتيالهما لاحقا، ولم تقدم الجزائر حينها على تشكيل "وحدة من المرتزقة" للانتقام على الأقل، وكان بمقدورها ومن حقها فعل ذلك.
3 – في يناير 2013 تعرضت منشأة الغاز في منطقة تيغنتورين في إليزي بالجنوب الجزائري على الحدود الليبية لهجوم إرهابي، وهي تعتبر القلب النابض لصناعة الغاز في الجزائر، وواجه الجيش الجزائري الإرهابيين وقضى عليهم، وكان ممكنا له حينها أن يلجأ لعمليات "سرية عن طريق المرتزقة" لكنه لم يفعل، فكيف يفعل ذلك اليوم بدون وجود مبرر أمني مقنع.؟
4 – استنادا لوسائل إعلام عربية وغربية، فقد شهدت العلاقات الجزائرية الروسية بعض البرودة بسبب معارضة الجزائر وجود "مجموعة فاغنر" في ليبيا ومالي والنيجر، وهم مرتزقة روس، كما عارضت بشكل رسمي الوجود العسكري الأجنبي، في إشارة للفيلق الإفريقي الروسي، وهو جيش نظامي تابع لوزارة الدافع الروسية وبشكل رسمي أيضا، فكيف تعارض الجزائر وجود مرتزقة أجانب في المنطقة وتقدم على إنشاء وحدة من المرتزقة؟
5 – إن الجزائر تدرك تمام الإدراك، أن إنشاء "وحدة من المرتزقة" للقيام بعمليات في دول الساحل يضعها في مواجهة مباشرة مع روسيا، وهذا يعني خسارتها للحليف الاستراتيجي الذي زودها مؤخرا بمقاتلات سو-57 الشبحية من الجيل الخامس، وهي أول دولة في العالم تستخدم هذه الطائرات بعد الجيش الروسي. وعليه ليس معقولا أن تقوم بذلك.
6 – يدرك الجميع أن "هوية المرتزقة وولائهم" سيتم كشفه عاجلا أم آجلا، وهو ما يجعل الجزائر في مواجهة المجتمع الدول واتهامها بدولة "مارقة" أو "راعية للإرهاب" على غرار ما حدث لعدة دول كالعراق في عهد صدام حسين أو إيران. وعليه لا يمكن بحال أن تقدم على مغامرة غير مضمونة النتائج.
7 – يبدو أيضا أن الدبلوماسية الجزائرية تتجه في الوقت الراهن إلى "عدم إثارة أي حساسية" في علاقاتها مع الدول الكبرى، وهو ما يعكسه موقفها من "القرار الأمريكي حول غزة وحول الصحراء الغربية"، وبالتالي من غير المنطقي أن تلجأ لأنشاء ميليشيات من المرتزقة.
8 – كذلك لا يعتقد المراقبون أن الجيش الجزائري المصنف من بين أقوى جيوش المنطقة بحاجة للمرتزقة لحماية الحدود والسيادة الجزائرية.
9 – إن الجزائر عندما واجهت الإرهاب في التسعينيات، في الوقت الذي كانت العواصم الغربية تسنده بشكل أو بآخر، واجهته بجيشها وأبنائها، ولم تلجأ لإنشاء وحدات من المرتزقة، فكيف تفعل ذلك الآن بدون مبرر مقبول؟
10 – وفي الختام، ليس من ثقافة الجزائر استخدام المرتزقة، حتى في مواجهة الاحتلال الفرنسي، فمنذ الاحتلال الفرنسي عام 1830، واجهت الجزائر المحتل بمقاومتها المعروفة بالإسم من الأمير عبد القادر حتى اندلاع الثورة، ولم تواجهها بالمرتزقة. وعندما اندلعت ثورة التحرير المباركة يوم 1 نوفمبر 1954 تمت بجيش التحرير الوطني تحت الراية السياسية لجبهة التحرير الوطني.
من النشأة إلى رئيس التحرير مرورا بالمصادر: 10 معطيات تورط "ساحل أنتلجنس"
بعد قراءة المقال قراءة متأنية، اتضح لي أن المقال يحمل بذور نقده ودحضه في طياته، ويمكن كشفها بسهولة حتى لغير المحللين المطلعين. كما أن هوية رئيس التحرير ومؤسس الشركة المسيرة لموقع "ساحل أنتلجنس" تجعل مضمون المقال مردود على كاتبه وناشره، كذلك يحمل المقال تناقضات كثيرة في سياقه وفي بناءه التحليلي، وهو مليء بالمغالطات والربط المزيف بين البلدان والجماعات والسياسات الدولية، ويمكن التركيز على 10 معطيات لتفنيده جملة وتفصيلا وهي:
1 – أوضحت أعلاه أن رئيس تحرير موقع "ساحل أنتلجنس" ضابط إسرائيلي برتبة "مقدم"، وقد ذكر ذلك الموقع نفسه.
2 – أوضحت أعلاه أيضا أن الشركة المالكة للموقع "ساحل أنتلجنس" وهي GIC CONSEIL أسسها الضابط الإسرائيلي السابق رئيس التحرير صامويل بنشيمون عام 2001.
3 – جاء المقال بعنوان: "وحدة خاصة من المرتزقة أنشأت سريّا للقيام بعمليات سرية في الساحل." والغريب العجيب أنه يستند لمصادر مجهولة وصفها بـ "مصادر أمنية عديدة إفريقية وإسرائيلية" كشفت له أن النظام العسكري الجزائري أنشأ وحدة خاصة من المرتزقة قوامها 320 مرتزقا، للقيام بعمليات سرية ضد الجيران في مالي والنيجر وبوركينافاسو.
4 – استنادا للكثير من المراقبين للوضع في منطقة الساحل خاصة الغربيين منهم، فإن دولة مالي، غائبة تماما في شمال مالي، حيث سيطرة الأزواد والجماعات المسلحة والمهربين، وهي ضعيفة عسكريا إلى درجة جعلتها تستعين بعناصر فاغنر ثم الفيلق الإفريقي الروسي، فكيف لها وهي كما هي تقوم بدوريات في المناطق الحدودية كما قال باولتون في مقاله؟
5 – قال باولتون أن مالي رصدت اتصالات تثبت وجود مرتزقة، واستنادا للتقارير الدولية حول قوة جيوش المنطقة، فإنه من المؤكد أنه من الصعب على دولة ضعيفة عسكريا مثل مالي أن ترصد اتصالات من النوع الذي ذكره باولتون، ثم لو حدث ذلك لسارعت باماكو إلى تعزيز اتهامها للجزائر في الشكوى التي رفعتها لدى محكمة العدل الدولية مؤخرا. لكنها لا تملك أي دليل على ذلك.
6 – جاء في مقال باولتون بأنه "ميدانيا، في الشرق الأوسط كما في الساحل، تقوم إسرائيل، وحاليا تحالف دول الساحل (مالي النيجر وبوركينافاسو) بمواجهة الجماعات الإرهابية لحزب الله اللبناني، وحركة حماس الفلسطينية وإيران وجماعات جهادية أخرى مدعومة من الجزائر."
وهكذا، يؤكد المقال الأكاذيب السابقة التي تحمل بذور دحضها في ذاتها، فشماعة حزب الله وإيران: حجة من لاحجة له. ذلك أن حزب الله وإيران دائما، ومنذ مدة طويلة، تعود لسنوات وليس أيام أو أشهر، وربما لعام 2006 تاريخ انتصار حزب الله على إسرائيل، يتم اتخاذهما ذريعة من طرف المغرب وإسرائيل للضغط على الجزائر في قضية الصحراء الغربية والمقاومة الفلسطينية.
7 – إن حزب الله حاليا غارق في مشاكله الهيكلية وبناء قدراته العسكرية وتسير علاقته مع الحكومة اللبنانية ومسألة نزع سلاحه، ويواجه المجتمع الدولي الذي يترقبه، بعد الضربات الموجعة التي تلقاها من طرف إسرائيل والقضاء على معظم قيادات الحزب السياسية والعسكرية من الصف الأول، على رأسهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله.
8 – كذلك يمكن القول أن إيران تعيش حاليا بيئة متغيرة إقليميا ودوليا، فدوليا تعرضت لقصف منشآتها النووية من طرف إسرائيل وأمريكا، وهي حاليا تعيد بناء فكرها النووي والعسكري، كما أن سقوط نظام بشار الأسد شهر ديسمبر 2024 أفقدها حليف مهم في المنطقة، ويضاف لذلك الضربات التي تلقاها حزب الله وحتى حركة حماس في غزة. وبالتالي من غير المعقول أن تنشط في منطقة بعيدة عنها آلاف الكيلومترات.
9 – والأكثر مما سبق شرحه، أنه لم يثبت، على نقيض ما يدعيه كاتب المقال، أي وجود لحزب الله اللبناني في منطقة الساحل، ولم تقم دول تحالف الساحل بأي مواجهة مسلحة مع حزب الله في المنطقة، ولو حدث ذلك لتغذت منها وسائل الإعلام الدولية حتى التخمة.
10 – عادة ما تقوم إسرائيل في دعاياتها في المنطقة على تقنية الربط المزيف، وما يكشف فعلا عن خلفية "تلفيق ادعاءات ضد الجيش الجزائري" من طرف كاتب المقال "فريديريك باولتون" هو الربط المضلل أو الربط المزيف، بين الجزائر وإيران وحزب الله وحماس ودول تحالف الساحل، وبين ما تقوم به إسرائيل من حرب عشواء ضد لبنان وغزة والضفة الغربية وسوريا وإيران، بشكل يوحي أن فريديريك باولتون يحرض على التدخل الدولي ضد الجزائر.
خلاصة
في المحصلة، وبناء على المعلومات وعناصر التحليل الواردة أعلاه، يمكن القول أن المقال لا يتعدى كونه "افتراء" على الجيش الجزائري، وأن الوصف الذي حمله بيان وزارة الدفاع الجزائرية في حق الموقع والكاتب هو وصف دقيق وعادل: "مواقع مأجورة تسوِّق لأجندات خبيثة تخدم كيانات معادية لبلادنا وتُكِنُّ حقدا دفينا لها، في محاولات يائسة لضرب استقرار وطننا وتشويه مؤسسات الدولة، والتأثير في الرأي العام، الذي أصبح يدرك تماما زيف ما تدَّعيه هذه المصادر من أكاذيب، ولا تنطلي عليه مثل هذه الأباطيل التي لا يصدقها عاقل."
أخبار
2025-12-26
أخبار
2025-12-26
أخبار
2025-12-26
أخبار
2025-12-26
أخبار
2025-12-26
أخبار
2025-12-26